مدخل
في منتصف شهر أيلول 2014، وقعت شركة الكهرباء الوطنية (المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية) خطاب نوايا مع شركة نوبل إنرجي الأميركية كممثل عن تحالف من الشركات الإسرائيلية (هي ديليك، أفنير، راشيو) لتزويد الشركة بالغاز من حقل ليفاياثان المشاطئ لسواحل حيفا المحتلة، وهو حقل غير مطوّر حتى الآن، تمتلك نوبل إنرجي 39% منه، بينما تمتلك الشركات الإسرائيلية حصة الأغلبية 61%. خطاب النوايا الموقع هو اتفاقية أولية غير ملزمة، رفضت الحكومة الأردنية الكشف عن بنوده واعتبرته سريّاً، وهو يتعلق باستيراد غاز بقيمة 15 مليار دولار خلال مدة 15 عاماً، لاستخدامه لأغراض توليد الكهرباء.
هذه الاتفاقية (مثل غيرها من أعمال الحكومة) ستُموّل من جيوب دافعي الضرائب الأردنيين وستؤسس لحالة غير مسبوقة من التبعية الإقليمية لـ«إسرائيل»؛ واختراقاً تطبيعياً خطيراً يُفرض على المواطنين فرضاً وغصباً عن إرادتهم، محوّلاً إياهم إلى مُموّلين مباشرين لمشاريع «إسرائيل» الاستيطانية وجرائمه وعملياته العسكرية العدوانية وتسليح جيشه وحروبه المستقبلية، وهم المواطنون الذين لطالما رفضوا التطبيع بالممارسة العملية وبالدلائل الملموسة، منذ توقيع ما يسمى «اتفاقية السلام» في وادي عربة عام 1994 وحتى الآن.
ستضع هذه الاتفاقية الأردن ومواطنيه في زاوية الابتزاز المباشر من قبل «إسرائيل»، من خلال تمكين هذه الأخيرة من التحكم بمورد استراتيجي هام من موارد الطاقة سيستخدم لتوليد ركن أساسي من أركان الحياة اليومية والضرورية للناس هو الكهرباء.
هذه المقالة المدعّمة بالتفاصيل والدراسات والوثائق، توضّح جميع الزوايا المتعلقة بهذه الصفقة، والمغالطات التي تروّجها الحكومة بشأنها، والخطورة المترتّبة عليها، وبدائل الطاقة الكثيرة المتاحة؛ وستعرّف بالحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني والأنشطة المتعددة التي قامت بها لوقف هذه الصفقة، والدور الذي يمكن للمواطنين أن يقدّموه لدعم هذه الحملة.
من التطبيع الحكومي إلى التطبيع الشعبي القسري
«إسرائيل» هي كيان استعماري استيطاني قام على القتل والتهجير والطرد وإنشاء دولة دينية حصرية وإقصائية على أنقاض المجتمع الأصلي المتعدّد الذي كان قائماً ومستقرّاً قبلها. ثمة إشكاليات أخلاقية كبرى تقوم على القبول بـ«إسرائيل» ككيان طبيعي: أولها القبول والإقرار بالظلم الناتج عن الاستعمار الاستيطاني وآلياته وجرائمه كأمر مبرّر (تطبيع الظلم)؛ وثانيهما القبول بادّعاءات الصهيونية المرتكزة على الخرافات الدينية كحقوق تاريخية (تطبيع التزوير التاريخي)؛ وثالثها القبول باختطاف الصهيونية لليهودية وتحويل هذه الأخيرة إلى قوميّة (تطبيع الدولة الدينية)؛ ورابعها القبول بما قام به الاستعمار الأوروبي للمنطقة من تقسيم وتفتيت، وتفريغ للاسامية الأوروبية والـ«مسألة اليهودية» الأوروبية في المنطقة العربية التي لم تكن هذه القضايا مطروحة فيها (تطبيع الاستعمار ونتائجه).
لهذا، ومع أن الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام المصري والأردني ومنظمة التحرير الفلسطينية / السلطة الفلسطينية، قد «اعترفت» (من خلال معاهدات السلام والعلاقات السياسية والأمنيّة) بشرعية وطبيعية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ونتائجه، إلا أن شعوب المنطقة العربية ظلّت رافضة لهذا التطبيع، ومن هنا نشأ التوجه الشعبي العام والتحرّكات والمنظمات المناهضة للتطبيع، خصوصاً في الدول التي وقعت معاهدات «سلام» مع «إسرائيل». وكانت حركة مقاومة التطبيع في الأردن إلى أمد قريب من أنشط التشكيلات المدنية في البلاد وأكثرها فعالية وتأثيراً.
ورغم صعود أو خفوت مستوى نشاط مجموعات مقاومة التطبيع، إلا أن النسق الشعبي العام واضح في موقفه وثابت المستوى، تدلّ عليه عدة مسائل: حجم التبادل التجاري المنخفض جداً بين الأردن والكيان الصهيوني، حيث بلغ حجم المستوردات من «إسرائيل» للاستهلاك المحلي عام 2013 ما قيمته 40.6 مليون دينار فقط؛ حجم العلاقات الثقافية والمدنية المنعدمة تقريباً بين الأردن و«إسرائيل»، وحقيقة أن النادر الذي يُقام منها يقام عادة في الخفاء تجنباً لإثارة الرأي العام؛ وحقيقة أن تجار الخضار والفواكه الذين يعرضون الأصناف المستوردة من «إسرائيل» يعمدون إلى إخفاء بلد المنشأ عن المستهلكين نظراً لمعرفتهم أن المستهلكين سيقاطعون تلقائياً شراء تلك الأصناف؛ بالإضافة إلى الجهود الشعبية المستمرة في مقاطعة «إسرائيل»، وآخرها وآخر هذه الدلائل إعلان مدينة الكرك مدينة خالية من البضائع الصهيونية.
صفقة الغاز ستُحقّق ما عجزت عن تحقيقه اتفاقيات «السلام» عبر سنوات طويلة من نفاذها: تطبيع الظلم والاستعمار الاستيطاني والتزوير التاريخي شعبياً، والربط العضوي المباشر بين مجمل مواطني الأردن وبين «إسرائيل» وإيصال هذه الأخيرة إلى منزل كل مواطن بواسطة شبكة الكهرباء. كل كبسة زر لضوء كهربائي ستضع أموالاً في جيب «إسرائيل» وجيشها ويُموّل جرائمها؛ وكل جهاز كهربائي يوصل بالشبكة يعني أن مُستعمله خاضع لابتزاز «إسرائيل» في حال قررت هذه الأخيرة قطع إمدادات الغاز وبالتالي انقطاع الكهرباء؛ هذا فضلاً عن الاعتراف المباشر بأحقية الاستعمار الاستيطاني بنهب لا أراضي المستعمَرين فقط، ولكن نهب مواردهم الطبيعية الحالية والمستقبليّة أيضاً، وبما يعزّز الاستعمار وأدواته، فالغاز «الإسرائيلي» هو في حقيقته غاز فلسطينيّ منهوب، وستستخدم العوائد المالية والجيواستراتيجية الناتجة عنه لتعزيز بنية الاستعمار الاستيطاني وأدواته القمعية.
عبقرية الحكومة الأردنية: الاستثمار في طاقة «إسرائيل» بدلاً من الاستثمار في طاقة الأردن!
15 مليار دولار (قيمة الصفقة) هو مبلغ كبير جداً من المال، قال بشأنه وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز مؤخراً: «نحن بحاجة إلى المال، وهذا مبلغ كبير من المال». هذا المبلغ الكبير من المال سيسمح لـ«إسرائيل» بتطوير حقل ليفاياثان غير المطوّر، وعبارة «غير المطوّر» تعني أن الحقل غير مُنتج ولا توجد عليه منشآت لاستخراج الغاز، فالغاز لا يمكن تخزينه بسهولة كالنفط، بل يحتاج منشآت مُكلفة لتسييله حتى يصبح قابلاً للتخزين، وهو ما يرفع كلفه، إضافة إلى أن «إسرائيل» لا تملك منشآت لتسييل الغاز، وهي تحاول عقد اتفاقية مع شركة يونيون فينوزا الإسبانية لتسييل الغاز ضمن المنشآت التي تملكها هذه الأخيرة في مصر، وما زالت هذه الاتفاقية غير منجزة وتواجه عقبات تمويلية ولوجستية.
الحل الأمثل لاستخراج الغاز هو إذن: توقيع اتفاقية بيعه مسبقاً قبل استخراجه (سيصل الغاز من «إسرائيل» عام 2020 في أحسن تقدير لو تم توقيع الاتفاقية النهائية بشأنه الآن!) وتصديره بأقل كلفة ممكنة (بشكله الغازي من خلال الأنابيب إلى دول الجوار)، وسيكون ممتازاً لو كان ثمة شبكة قائمة يمكن استغلالها لتوفير التكاليف (شبكة الغاز القائمة حالياً بين مصر والأردن و«إسرائيل» والمستخدمة سابقاً لتصدير الغاز المصري).
هذا هو الخيار الأنسب والأربح لـ«إسرائيل»، فتصدير الغاز إلى أوروبا مكلف جداً وغير متاح سياسياً لاعتبارات طول خط الأنابيب المطلوب ووقوعه تحت البحر ومروره قرب أو في المياه الإقليمية القبرصية المتنازع عليها بين تركيا واليونان.
لذلك وبدلاً من أن تستثمر الحكومة الأردنية تلك الأموال الطائلة من أجل إقامة مشاريع الطاقة داخل الأردن لتعزيز استقلاليته والاستثمار في مستقبله وخلق فرص العمل لأبناءه، تقوم الحكومة الأردنية بالاستثمار في استقلال الطاقة لـ«إسرائيل» وتعزيز قدراتها وبناها التحتية، وخلق فرص العمل للمستعمرين الصهاينة، وتحويل «إسرائيل» إلى قوة إقليمية في مجال الطاقة!
ما سندفعه: 8.4 مليار دولار لخزينة «إسرائيل»، و3 مليار لشركاتها
كشفت دراسة أعدتها «اللجنة التنسيقية للمجموعات المناهضة لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني» بالشراكة مع مركز أبحاث «بلاتفورم» المختص بشؤون الطاقة ومقره لندن، أن حصة خزينة دولة «إسرائيل» من صفقة الغاز ستبلغ 8.4 مليار دولار على الأقل، وستذهب هذه بدورها لتمويل آلة الحرب والعدوان الصهيونية، وتمويل بناء المستوطنات، وتعزيز قوة الاقتصاد الصهيوني، هذا بالإضافة الى التبعية الاستراتيجية الطويلة المدى التي ستترتّب على الأردن تجاه «إسرائيل» في مجال الطاقة، والربط الاقتصادي العضوي بينهما، وربط مصالح المواطن المباشرة (الكهرباء) بالعدو. هذا المبلغ يساوي أكثر قليلاً من تكلفة ثلاثة حروب مستقبلية على غزة مماثلة للحرب الأخيرة التي شنها الكيان الصهيوني عام 2014 وكلّفته مبلغ 2.52 مليار دولار.
بينما سيذهب مبلغ أقل قليلاً من 3 مليار دولار لدعم الاقتصاد الإسرائيلي على شكل الأرباح التي ستجنيها الشركات الاسرائيلية الثلاث التي تملك حصة الأغلبية في حقل ليفاياثان.
فمن إجمالي الـ15 مليار دولار التي ستسدد على 15 سنة هي مدة الاتفاقية، سيذهب 56% من هذا المبلغ (8.4 مليار دولار) إلى خزينة «إسرائيل» على صورة عوائد حقوق ملكية (royalties) وضرائب مفروضة على عوائد الأرباح الطارئة (Windfall tax levy) وضرائب شركات (Corporations taxes)، وبواقع 559 مليون دولار سنوياً.
أما بقية الـ15 مليار دولار فتوزع كما يلي: 4.9 مليار دولار أرباح الشركات المالكة لحقوق استخراج الغاز من حقل ليفاياثان، منها 2.93 مليار دولار لشركات إسرائيلية هي ديليك وآفنير وراشيو تملك 61% من حقوق الاستخراج، و1.93 مليار دولار لشركة نوبل اينرجي الأمريكية التي تملك 39% من حقوق الاستخراج؛ 1.7 مليار دولار تغطي تكاليف الحفر والاستخراج والادارة.
وقال معدّ الدراسة خبير الطاقة ميكا مينيو-بالويلو: «لقد قمنا بتحليل اتفاقية الغاز المنوي توقيعها بين الأردن وإسرائيل، ونظام إسرائيل المالي، وبنينا بعض المعطيات على تجارب سابقة في أوغندا والعراق وروسيا وكازاخستان. لقد بيّنت حساباتنا أن مستهلك الكهرباء الأردني سيدفع مليارات الدولارات إلى الدولة الاسرائيلية: 8.4 مليار دولار ستساهم في دعم بناء مستوطنات جديدة وزيادة الانفاق العسكري الاسرائيلي». وأكد مينيو-بالويلو: «بتوقيعه الاتفاقية، سيسلّم الأردن لإسرائيل سلاح الطاقة الأخطر: إمكانية إطفاء الكهرباء في عمّان بكبسة زر. وبالإضافة لقيام الأردن بإخضاع أمنه في قطاع الطاقة لإسرائيل، فإنه أيضاً سيقدّم مساهمة مالية معتبرة للموازنة الاسرائيلية، كل سنة، ولخمسة عشر سنة».
الدور الأمريكي والرؤية الإسرائيلية: تصدير الغاز مهم لـ«إسرائيل»
منذ عام 2011 والحكومة الأمريكية تضغط من أجل أن يوقع الأردن اتفاقية استيراد الغاز من الكيان الصهيوني، فوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في حينه تحدثت مع الملك عبد الله الثاني حول الغاز الاسرائيلي ذلك العام، فيما قام دبلوماسي رفيع المستوى متخصص بالطاقة تابع للخارجية الأمريكية هو آموس هوخشتاين بالتواصل مع نوبل إنرجي أوائل عام 2012 لعقد صفقة مع الأردن. هذا ويستمر هوخشتاين بمتابعة هذا الملف بنشاط حثيث حتى الآن كما سيرد معنا لاحقاً. يقول كارلوس باسكوال، وهو منسق سابق للطاقة الدولية في الخارجية الأمريكية، أن «ما توضحه هذه الصفقات هو أن الغاز يمكن أن يكون أداة لشراكات تجارية ذات فوائد جيوسياسية قوية وإيجابية»؛ بينما صرّح سايمون هيندرسون مدير برنامج سياسة الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «إن إسرائيل تقدم خدمة للولايات المتحدة من خلال استخدام الغاز كوسيلة للاندماج الاقليمي: الاندماج الاقتصادي بكل تأكيد، وربما الاندماج السياسي». كل هذا بينما كشفت تقارير صحفية عن ملكية جون كيري وزير الخارجية الأميركي الحالي أسهمًا بقيمة مليون دولار في شركة نوبل إنرجي، مما يعطي الموضوع جوانب أخرى.
أما تصريحات الساسة الصهاينة المتعلقة بأهمية صفقة الغاز لمكانة «إسرائيل» بالمعنى الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي فكثيرة جداً، منها تصريح رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو: «إن لم نصدّر الغاز، فلن يكون ثمة غاز للسوق المحلي» وهو تصريح يؤكد أساسية تصدير الغاز للحصول على التمويل الكافي لاستخراجه وبالتالي إمكانية استخدامه للسوق المحلية الإسرائيلية وتمكين «إسرائيل» من تأمين استقلالها في مجال الطاقة. أما وزير الطاقة الإسرائيلي سيلفان شالوم فوصف الصفقة بأنها «عمل تاريخي سيعزز العلاقات السياسية والاقتصادية بين إسرائيل والأردن. خلال هذه الفترة، أصبحت إسرائيل قوة عظمى في مجال الطاقة، تزوّد جيرانها باحتياجاتهم وتعزّز موقعها كمحور أساسي في منظومة الطاقة الإقليمية»؛ فيما حذر رئيس جمعية المصنّعين في «إسرائيل» شارغا بروش أن الاقتصاد الإسرائيلي سيخسر 4 مليار دولار في العام 2018-2019 نتيجة لعدم تطوير الحقل، وهي خسارة ستستمر سنوياً على الأرجح في حال لم توقع الحكومة الأردنية اتفاقية استيراد الغاز من حقل ليفاياثان ولم تتمكن «إسرائيل» من إيجاد بديل.
لا ننسى أن نشير إلى الملاحظة التي أوردها تشارلز إيليناس الرئيس السابق لشركة «قبرص هايدروكاربون» في معرض حديثه عن اكتشاف الغاز في المياه المتاخمة للشواطئ الفلسطينية المحتلة، بأن الإسرائيليين اعتبروا ذلك «عيد تحريرهم [استقلالهم] الثاني».
هوخشتاين لـ«إسرائيل»: وقّعوا الآن قبل أن ينخفض ثمن الغاز عالمياً
عاموس هوخشتاين هو المبعوث الخاص للخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة، وهو ممثل الدبلوماسية الأمريكية الضاغط من أجل إتمام صفقة ليفاياثان بأسرع وقت ممكن. وكان هوخشتاين قد لعب قبلها دور الوسيط في إتمام صفقة بقيمة 500 مليون دولار لتصدير الغاز من حقل تامار الذي تسيطر عليه «إسرائيل» إلى شركة البوتاس العربية في الأردن.
في مؤتمر هرتزليا السياسي الأمني الذي يعقد سنوياً في «إسرائيل» ويعتبر حدثاً بارزاً وذا دور مهم في رسم السياسات الإسرائيلية، قدّم هوخشتاين مداخلة مطوّلة، نصح فيها بما يلي: «على إسرائيل توقيع صفقات ملزمة لتصدير الغاز إلى الدول المجاورة قبل الانخفاض الكبير المتوقع لأسعار الغاز عالميًا».
أسعار النفط (التي ترتبط بها أسعار الغاز) في انخفاض مستمر، والمتوقع أن ينخفض سعر الغاز بشكل كبير خلال الأعوام القادمة. فلماذا تصرّ الحكومة الأردنية على توقيع اتفاقية الآن وتثبيت الأسعار المرتفعة بينما يفترض أن تتوالى الانخفاضات في سعر الغاز الأمر الذي سيتيح أيضاً مصادر أخرى أقل ثمناً؟
العامل الإسرائيلي: مكتب مكافحة الاحتكار والاعتراضات الشعبية
لشهور عدة، وقفت جهة حكومية إسرائيلية ضد إعطاء حقوق استخراج الغاز في حقل ليفاياثان لتحالف نوبل إنرجي (الأمريكية) –ديليك (الإسرائيلية)، هذه الجهة هي مكتب مكافحة الاحتكار برئاسة ديفيد جيلو. وقد خاضت حكومة نتنياهو وحلفاؤها صراعاً طويلاً ضد توجّهات المكتب مما أدى في النهاية إلى استقالة جيلو من منصبه، واستتباب الأمر للحكومة الإسرائيلية لتأكيد احتكار التحالف المذكور لاستخراج الغاز الفلسطيني المسروق والمضي قدماً بعقد الصفقات بشأن تصديره، وهو الأمر الذي كانت تضغط الإدارة الأمريكية نفسها من أجله كما ورد في تصريحات هوخشتاين المذكورة أعلاه.
هذا الأمر أثار اعتراضات شعبية في «إسرائيل»، بل إن مظاهرات حاشدة خرجت في تل أبيب انتصاراً لموقف مكتب مكافحة الاحتكار واعتراضاً على قرارات الحكومة بإعطاء حقوق الاستخراج لتحالف نوبل-ديليك. هذا يعني أن الترتيبات الاسرائيلية المتعلقة باستخراج الغاز غير مكتملة، وأن خيار اللجوء إليه (إضافة إلى جميع ما ذكر أعلاه من اعتراضات أخلاقية وسياسية واقتصادية وتاريخية) هو أمر غير مضمون وخاضع لتقلبات السياسة الداخلية في «إسرائيل» والتي تعاني أيضاً من الفساد.
غاز غزة: «إسرائيل» تدخل من الباب الخلفي
ثمة حقل غاز في المياه المشاطئة لغزة يحمل اسم «غزة مارين»، وتمتلك حقوقه شركة الغاز البريطانية (بريتيش غاز كومباني)؛ وبدأت أحاديث ترشح عن توقيع عقود لشراء هذا الغاز. حقول الغاز الغزيّة هذه لا تقع بأي حال من الأحوال تحت السيادة العربية أو الفلسطينية، فقطاع غزّة ما يزال مُحاصراً حتى اللحظة، ولا يمتلك التحكم بمعابره الحدودية، ولا بشواطئه أو مياهه الإقليمية، ولا يملك أي قارب غزّي أن يتحرّك لمسافة تزيد عن بضعة كيلومترات في عرض البحر دون أن يتعرّض للقصف أو للتوقيف، فإن أضفنا إلى ذلك بديهة أن «السلطة الفلسطينية» الناتجة عن اتفاقية أوسلو هي ليست كياناً ذا سيادة، بل إنها لا تملك سلطة الحصول على العوائد الضريبية الخاصة بها من سلطات الكيان الصهيوني، ولا يملك «قادتها» حتى حرية الحركة والتنقل دون موافقة الصهاينة، تتوضّح لنا صورة أن هذا الغاز بمنشآته وطرق مروره وآليات تصديره سيكون خاضعاً بشكل مباشر للهيمنة الإسرائيلية كما هو حال اقتصاد السلطة الفلسطينية برمّته؛ كما أنه –لا بدّ- سيُنقل من خلال شبكة الأنابيب المارة في والخاضعة لـِ«إسرائيل»، مما يجعله أيضاً تحت تحكمه.
كما أن بيع هذا الغاز سيسهّل تمرير وتبرير صفقات الغاز الأخرى، مما سيجعل من «غاز غزة» حصان طروادة لاختراق المنطقة وتسويق الغاز الذي تسيطر عليه «إسرائيل» مباشرة بطريقة التفافية.
ولا ننسى أن الكمية التي تنوي الحكومة استيرادها من هذا الحقل ستصل إلى 150 مليون قدم مكعّب من الغاز يومياً، أي ما يعادل نصف الاحتياجات اليومية للأردن من الغاز، وهي كمية هائلة تشكل تهديداً استراتيجياً كبيراً، وتضع الدولة والمواطنين على حد سواء تحت ضغط الابتزاز الصهيوني، وسترفد هذه الصفقة أيضاً خزينة «إسرائيل» (وبالتالي جيشه ومشاريعه الاستيطانية التوسعية وحروبه وعدوانه) بالأموال، عن طريق الرسوم والضرائب التي ستتحصّل لقاء مرور الغاز في «أراضيه» ومن خلال شبكة أنابيبه.
إن ما يسمى «الغاز الفلسطيني» هو وهم آخر يضاف إلى سلسلة الأوهام التي يراد من خلالها تمرير مشروع الطاقة الإقليمي الذي تهيمن عليه «إسرائيل».
شبكة الطاقة الإقليمية: إعادة إنتاج «إسرائيل» كمركز هيمنة لأطراف تابعة
ثمة منظومة طاقة إقليمية تتشكل حول الغاز المُهيمن عليه إسرائيلياً، تشمل المنظومة تحالف شركتي نوبل إنرجي (الأمريكية) وديليك (الإسرائيلية) الذي يملك حقوق احتكارية لاستخراج الغاز الفلسطيني المسروق في حقول أكبرها ليفاياثان وتامار (مقابل حيفا المحتلة)؛ وشركة الغاز البريطانية التي تملك حقوق استخراج الغاز من حقل غزة مارين؛ وشركة يونيون فينوزا الاسبانية التي تملك منشآت لتسييل الغاز في مصر؛ والحكومتين الأردنية والمصرية التي تمر في أراضيهما شبكة أنابيب الغاز التي ستستخدم على الأغلب لتصدير الغاز إلى البلدين، ومن خلالهما إلى أماكن أخرى؛ بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية التي قد تكون سوقاً إضافية للغاز بالإضافة إلى أنها ستعمل على «تبييض» صفقات الغاز من خلال إدخال غاز غزة على المنظومة والإدّعاء (غير الموضوعي) أنه غاز فلسطيني وسيرفد السلطة بالأموال.
مركز هذه المنظومة والمستفيد الأول والأخير منها هو «إسرائيل» دون منازع، فهذه الصفقات ستتيح لها تطوير حقول الغاز بدلاً أن تظل حبيسة الطبقات الأرضية تحت أعماق البحر، فبدون هذه الصفقات لن تتمكن «إسرائيل» من استخراج الغاز؛ وهذه الصفقات سترفد خزينة «إسرائيل» بمبالغ هائلة من الأموال ستجعلها تملك إمكانيات الاستقلال عن عصب حياتها المالي: المساعدات الأميركية والأوروبية، فينتهي بذلك الربط الميكانيكي بين الصهيونية والإمبريالية لصالح وجود ناجز مكتمل مستقل للصهيونية؛ وستعزّز هذه الأموال من امكانيات «إسرائيل» العسكرية والعدوانية والاستيطانية والتوسعية؛ وستمكن «إسرائيل» من التحوّل إلى جزء عضوي وأساسي في المنطقة، وعامل ضروري في بقاء شعوبها، أي أنها ستتحوّل من الوجود بقوة القوة إلى الوجود بقوة الضرورة، وهو ما عجزت عن تحقيقه حتى الآن عبر كل الوسائل العسكرية والسياسية والأمنية؛ وسيتعزّز دور «إسرائيل» الجيوسياسي إذ تصير مصدر طاقة دول الجوار، وعقدة شبكة توزيع الغاز لمحيطها، وتملك اليد العليا في هذه العلاقة إذ يمكنها قطع إمدادات الغاز أو التهديد بذلك.
كل ذلك يحصل في ظل انحسار كبير للتأثير «الإسرائيلي» على المستوى الإقليمي خلال السنوات العشر السابقة: فبعد الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين وحل الجيش العراقي لصالح الميليشيات والتنظيمات المدعومة من إيران، وبعد الانتفاضات الشعبية للربيع العربي التي أعقبتها تدخلات مختلفة من الأنظمة الحاكمة والدول والقوى الإقليمية والدولية لإجهاض نتائجها أو إفراغها من محتواها، صارت اليد الطولى في الإقليم لإيران وتركيا والسعودية وقطر والدول والتنظيمات الدائرة في فلكها، وتراجع كثيراً نفوذ وتأثير «إسرائيل» في مراكز الصراع الحالية (العراق، سوريا، اليمن، لبنان، ليبيا)، وآخر دلائل هذا التراجع إتمام الصفقة النووية بين الولايات المتحدة وإيران رغم كل الوسائل التي استخدمتها «إسرائيل» لعرقلة هذا الاتفاق.
في ظل هذا الأفول لدور «إسرائيل» الإقليمي، تأتي صفقات الغاز لتنقذها من الغرق، ولتعيد إنتاج دورها ثانية كلاعب إقليمي أساسي من باب الطاقة وشبكاتها الإقليمية، والاقتصاد ومفاعيله السياسية، وكل هذا بأموال الشعوب المتضرّرة من وجودها ومن تصاعد نفوذها والمقموعة بآلتها العسكرية الحربيّة التوسعية.
الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني
مباشرة بعد الإعلان عن خطاب النوايا المتعلق باستيراد الغاز من «إسرائيل»، قامت خمس مجموعات شعبية عاملة في مجال مقاومة التطبيع بتشكيل «اللجنة التنسيقية للمجموعات المناهضة لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني»، وتحرّكت اللجنة على عدة صعد منها المحاضرات التوعوية، طباعة وتوزيع المنشورات والملصقات، تنظيم الاعتصامات، عريضة توقيعات شعبية بآلاف الأسماء معارضة لهذه الاتفاقية، انجاز دراسة علمية مشتركة بين اللجنة التنسيقية ومركز أبحاث بلاتفورم المختص بشؤون الطاقة ومقره لندن لحساب المبلغ الذي سيدخل خزينة دولة «إسرائيل» من مجموع قيمة الصفقة، والعمل الحثيث مع النواب مما أدى إلى رفض مجلس النواب لهذه الاتفاقية بأغلبية ساحقة.
بعدها عملت اللجنة التنسيقية على تشكيل ائتلاف شعبي نقابي نيابي لمواجهة الصفقة ضم مجموعات شعبية ونقابات مهنية ونقابات عمالية ونواب؛ ثم عملت اللجنة التنسيقية والائتلاف إلى الدعوة نهاية ديسمبر عام 2014 إلى الملتقى الموسّع الملتقى الموسّع للنقابات والنوّاب والأحزاب والمجموعات الشعبية لمواجهة صفقة استيراد الغاز من العدو الصهيوني، والتي انبثقت عنها الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني، وهي حملة تضم الآن تضم ائتلافاً عريضاً من 33 نقابة مهنية وعمالية، وأحزاب سياسية (معارضة ووسطية)، وفعاليات نيابية، ومجموعات وحراكات شعبية، ومتقاعدين عسكريين، وفعاليات نسائية؛ بالإضافة إلى الفعاليات النيابية والشخصيات الوطنية وفروع الحملة في المحافظات.
وقد عملت الحملة على استكمال برنامج الاعتصامات، والمحاضرات التوعوية، ونظمت مسيرة شعبية حاشدة ضد الاتفاقية يوم 6 آذار 2015، وعملت على إعادة الاعتبار للعمل المشترك الموحّد على القضايا الكبرى بعد أن انتهت هذه الصيغة من العمل إثر اندلاع انتفاضات الربيع العربي واختلاف توجّهات الأحزاب والمجموعات والتنظيمات حولها.
وقد نجحت الحملة نجاحاً كبيراً في نشر الوعي حول الخطورة غير المسبوقة لاتفاقية الغاز مع «إسرائيل»، وحشد الرأي العام النيابي والشعبي لمواجهة الاتفاقية، مما اضطر مصادر حكومية إلى التصريح أكثر من مرة إلى أن التفاوض حول الاتفاقية النهائية موقوف أو معلّق. لكن الحملة صرّحت مراراً أنها «ستظل مستمرّة في مساعيها وأنشطتها وفعالياتها المختلفة، إلى أن يتم الإعلان رسمياً وبوضوح عن إلغاء رسالة النوايا وصفقة الغاز مع العدو المتعلقة بها، وإلغاء أية اتفاقيات أخرى تتضمن التعامل مع الكيان الصهيوني في مجال الغاز أو الطاقة صراحة أو ضمناً».
وستقوم الحملة يوم 5 أيلول الجاري، وتحت شعار «الشعب يُحاكم»، بعقد محاكمة شعبية للمسؤولين عن توقيع هذه الاتفاقية (مجلس الوزراء ومجلس إدارة شركة الكهرباء الوطنية)، وهي فعالية غير مسبوقة وتقام لأول مرّة في الأردن وتهدف إلى تثبيت حق مساءلة المواطنين دافعي الضرائب للمسؤولين الحكوميين، خصوصاً وأن هؤلاء لا يكترثون لا للرأي العام الشعبي ولا حتى للرفض النيابي الكاسح للصفقة.
تضليل الرأي العام وتجاهل بدائل الغاز «الإسرائيلي»
منذ الإعلان عن توقيع خطاب النوايا المتعلّق باستيراد الغاز من «إسرائيل»، والحكومة تضلل الرأي العام ودافعي الضرائب بتصريحاتها، وتمتنع عن كشف كامل المعلومات المتعلقة بالصفقة، فرسالة النوايا لم يتم الإعلان عنها، وحين استخدمت الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني قانون حق الحصول على المعلومات للحصول على نص الاتفاقية، جاء رد وزارة الطاقة ليفيد بأن رسالة النوايا سريّة وتخضع لبنود «المحافظة على سرية المعلومات والتي تمنع الإفصاح عن أية وثائق و/أو معلومات يتم تبادلها بين الطرفين».
صرّح رئيس الوزراء عبد الله النسور أمام مجلس النواب في معرض تبريره لصفقة الغاز مع «إسرائيل» أنه: «لا يوجد أي مصدر لنا لاستيراد الغاز من المنطقة العربية»؛ أما وزير الطاقة السابق محمد حامد فتحدّث عن عدم وجود بدائل للغاز الاسرائيلي، وفي كلمته أمام البرلمان الأردني قال أن المواطنين سيعانون من «انقطاع مبرمج للكهرباء على فترات وفي كافة مناطق المملكة ولمدة ثماني ساعات يومياً… ورفع أسعار الكهرباء بنسب عالية جدًا» حال لم يتم استيراد الغاز من «إسرائيل»، وهو نفس الكلام الذي ردده أيضاً وزير التنمية السياسية خالد الكلالدة مضيفاً «إن على الشعب تحمل تبعيات عدم الموافقة على اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل»!
هذا الخطاب المضلّل تغيّر بعد أن أوضحت الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني وجود عدد كبير من البدائل، فوقعت الحكومة اتفاقية لتوريد الغاز المسال من قطر مع شركة شل من خلال ميناء الغاز المسال الجديد في العقبة، وصرح مدير عام شركة الكهرباء الوطنية عبد الفتاح الدرادكة لوكالة الأنباء الأردنية – بترا أن «ميناء الغاز يزود حالياً محطات التوليد بحوالي 315 مليون قدم مكعب يومياً تسد كامل حاجة محطات توليد الكهرباء في المملكة من الوقود»، بل إن الدرادكة تحدّث عن خطط ليصبح الأردن مُصدّراً للغاز المسال الفائض عن حاجته إلى مصر!
وصرنا نسمع عن مباحثات مع الجزائر لاستيراد الغاز، وعن أنبوبي نفط وغاز من العراق، وعن مشاريع كثيرة لتوليد الكهرباء من الطاقة البديلة! كل هذا كان غائباً عن الخطاب الحكومي الذي اكتشف كل هذه الخيارات فجأة!
بالإضافة إلى ما سبق، هنالك عدد كبير من البدائل الأخرى متاح للتطوير وتعزيز استقلالية الأردن في مجال الطاقة، وتنمية موارده المحلية، وخلق فرص العمل. من هذه المشاريع تطوير حقول الغاز الموجودة في الأردن مثل حقل الريشة، وكانت شركة البترول الوطنية قد طالبت الحكومة بالسماح لها بتطوير هذا الحقل وشراء الغاز منها بسعر عادل؛ كما يوجد في الأردن مصدر طاقة آخر هو الصخر الزيتي، وثمة شركتان عاملتان في هذا القطاع واحدة تدرس إمكانيات استخراج النفط منه، وثانية بدأت مشروعًا لحرقه مباشرة لإنتاج الطاقة الكهربائية وسيبدأ المشروع بإنتاج الكهرباء عام 2018؛ وتوجد أيضاً الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والرياح)، فالأردن من أفضل المواقع المشمسة (أكثر من 300 يوم مشمس في السنة) والطاقة المتجددة طاقة نظيفة وثمة بلدان كثيرة في العالم تتحوّل إلى هذه الطاقة وتستأجر مساحات شاسعة في إفريقيا لزرعها بالخلايا الشمسية لتوليد الطاقة، وهناك مشاريع متعددة في الأردن (مثل مشروع «شمس معان»)، إضافة إلى قائمة طويلة من المشاريع المماثلة التي وقعت اتفاقياتها في مؤتمر دافوس البحر الميت الأخير؛ وفوق كل هذا هناك إمكانية التحرّك الجدي من قبل الحكومة لضبط السرقات الواقعة على شبكة الكهرباء والتي غالباً ما يقوم بها أشخاص متنفذون، الأمر الذي سيحقق وفرًا هائلاً في الكهرباء.
كانت تلك البدائل القائمة والعاملة فعلاً أو الممكن تحقيقها في المدى القصير، أما البدائل الأخرى التي يمكن العمل من أجل تحقيقها على المديين المتوسط والطويل فهي شراء الغاز من حقول مدين السعودية القريبة جداً من الحدود الجنوبية للأردن، والعمل الجدي على تنفيذ مشروع أنبوبي النفط والغاز المقترحين بين العراق والأردن والذي كشف عنهما وزير الطاقة الأردني الحالي إبراهيم سيف قبل أشهر.
السؤال العالق: لماذا هذه الصفقة؟
في ظل وجود كم كبير من البدائل (باعتراف الحكومة)، وفي ظل اكتفاء شركة الكهرباء الوطنية بالكامل من الغاز المورّد إلى ميناء الغاز المسال في العقبة، لماذا إذاً هذه الصفقة؟ لماذا تريد الحكومة أن تستثمر 15 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأردنيين في مشاريع طاقة إسرائيلية تزيد من مكانتها كقوة إقليمية مهيمنة ولا تستثمر هذه الأموال في مشاريع طاقة داخل الأردن تعزّز من استقلالية الطاقة الأردنية وتعزّز الاقتصاد الأردني وتخلق فرص عمل للمواطنين؟ لماذا لا تريد الحكومة أن تعلن عن نص خطاب النوايا بل وتصنفه على أنه سريّ؟ لماذا تريد الحكومة أن تموّل الإرهاب الصهيوني والمستوطنات وحروب «إسرائيل» القادمة وتقوّي جيشه واقتصاده؟ أين هي «المصلحة الوطنية» في كل ما سبق؟
إن ما سبق لا معنى له سوى تعزيز الشكوك بالأطراف المشاركة بهذه الصفقة، والأطراف المستفيدة منها، بما في ذلك ما قيل عن شبهات فساد قد تحيط بهذه الاتفاقية تشبه ما حصل في موضوع تصدير الغاز
المصري لـ«إسرائيل».
[يعاد نشرها ضمن اتفاقية شراكة وتعاون مع مجلة "حبر".]